السنغال- فوز شاب ينهي هيمنة فرنسا ويواجه تحديات الحكم الصعبة

المؤلف: د. بدر حسن شافعي11.07.2025
السنغال- فوز شاب ينهي هيمنة فرنسا ويواجه تحديات الحكم الصعبة

في تطور لافت، وبفارق شاسع عن منافسه من الحزب الحاكم، اقتنص باصيرو ديوماي فاي، السياسي الشاب في الأربعينيات من عمره، والمنتمي لحزب "الوطنيون الأفارقة في السنغال من أجل الأخلاق والأخوة" ("باستيف")، الفوز في الانتخابات الرئاسية التي شهدتها السنغال مؤخرًا. هذا الانتصار يعزز مكانة السنغال كنموذج للديمقراطية في منطقة غرب أفريقيا التي تتسم بالاضطرابات وعدم الاستقرار السياسي، والتي اكتسبت سمعة "حزام الانقلابات" في القارة.

شهدت هذه الانتخابات سجالًا ونقاشًا محتدمًا، بدءًا من توقيت إجرائها، إثر قرار الرئيس المنتهية ولايته، ماكي سال، بتأجيلها في شهر فبراير، وهو القرار الذي أيده البرلمان، لكن المجلس الدستوري رفضه وأصر على إجرائها في موعدها. إضافة إلى ذلك، فاز باصيرو ديوماي فاي بالرئاسة بينما كان يقبع في السجن بتهمة "ازدراء القضاء" قبل عام واحد فقط. ومع ذلك، تم إطلاق سراحه، برفقة معلمه وأستاذه عثمان سونكو، رئيس حزب "باستيف"، بموجب عفو رئاسي صدر قبل أيام قليلة من الانتخابات. وهكذا، انتقل باصيرو فجأة من زنزانة السجن المظلمة إلى القصر الرئاسي الفخم في دكار.

لعب المحيط الإقليمي دورًا حيويًا في تنمية الشعور المعادي لفرنسا، ولا سيما بعد الانقلابات العسكرية الأخيرة التي وقعت في النيجر ومالي وبوركينا فاسو ضد حكومات كانت تقليديًا حليفة لباريس.

ملاحظات

يمكن استخلاص عدة ملاحظات مهمة حول هذه الانتخابات "الاستثنائية" في القارة الأفريقية:

  • أولًا: هذه هي المرة الأولى التي لا يشارك فيها الرئيس المنتهية ولايته "ماكي سال" في الانتخابات، حيث يمنع الدستور الرئيس من الترشح لأكثر من ولايتين. وعلى الرغم من أن سال "احترم الدستور ظاهريًا" ولم يترشح للرئاسة، فإن قراره بتأجيل الانتخابات أثار الشكوك، خاصة بين قوى المعارضة، حول إمكانية استغلال هذا التأجيل لتمديد فترة حكمه.
  • ثانيًا: هذه هي الانتخابات الأولى أيضًا التي تحسمها المعارضة من الجولة الأولى في مواجهة مرشح الحكومة. ففي انتخابات عام 2000، فاز عبد الله واد، مرشح المعارضة، في الجولة الثانية ضد الرئيس عبدو ضيوف، وتكرر الأمر في انتخابات عام 2012 عندما فاز ماكي سال على واد. وهذا يدل على نزاهة العملية الانتخابية التي جرت تحت إشراف إقليمي ودولي.
  • ثالثًا: يمكن تفسير هذا الفوز الساحق لمرشح المعارضة من الجولة الأولى بعوامل داخلية وخارجية:
    • داخليًا: أدت حملات القمع التي استهدفت رموز المعارضة السياسية في السنوات الأخيرة، وخاصة عثمان سونكو وباصيرو ديوماي فاي، إلى توحيد صفوف المعارضة وزيادة التعاطف الشعبي معهما بعد اعتقالهما وحبسهما لأسباب سياسية. بالإضافة إلى ذلك، تفاقمت الأوضاع الاقتصادية في البلاد، حيث تراجع معدل النمو الاقتصادي وارتفع معدل التضخم بشكل ملحوظ، ناهيك عن وجود مجتمع مدني حيوي ونشط. كل هذه العوامل ساهمت في زيادة الرغبة في التغيير.
    • خارجيًا: لعبت التطورات الإقليمية دورًا بارزًا في تعزيز الرفض للتدخل الفرنسي، وخاصة بعد الانقلابات العسكرية في النيجر ومالي وبوركينا فاسو ضد أنظمة كانت تعتبر تقليديًا تابعة لباريس.
  • رابعًا: يعزى فوز مرشح "باستيف" إلى برنامجه السياسي الذي يركز على مكافحة الفساد بجميع أنواعه، والذي تفشى على نطاق واسع في عهد ماكي سال، بالإضافة إلى تبني فكرة "التغيير المنهجي" وتحديث أساليب الإدارة العامة وإدخال تعديلات دستورية تحد من تركز السلطات في يد الرئيس. كما اقترح الحزب إلغاء منصب رئيس الوزراء وإنشاء منصب نائب للرئيس، بالإضافة إلى إصلاح القضاء الذي يعتبره سلاحًا "مسيسًا" ضد الخصوم، وإنشاء مكتب مدع عام مالي وطني يتمتع بصلاحية مقاضاة الجرائم المتعلقة بالفساد المالي والاقتصادي.
  • خامسًا: ساهمت المشاركة الإيجابية والقوية للشباب في الانتخابات والتصويت لصالح مرشح حزب "باستيف" القائم على قواعد شبابية في تحقيق الفوز. وقد تأثر هؤلاء الشباب بخطاب الحزب بشأن مواجهة البطالة والحد من النفوذ الفرنسي وتبني عملة وطنية بديلة عن الفرنك الأفريقي الموحد.
  • سادسًا: لم تشهد الانتخابات أي أعمال عنف، على الرغم من التوتر الذي سبقها، مما يدل على حياد الشرطة والجيش وعدم انصياعهما لتوجيهات الحزب الحاكم. وقد دفع ذلك مرشح الحزب الحاكم إلى الاعتراف بالهزيمة وتهنئة باصيرو قبل الإعلان الرسمي عن النتائج، مما أنهى الجدل الذي تشهده بعض الدول الأخرى حول الطعون في النتائج.

تحديات في مواجهة الرئيس الشاب

على الرغم من هذا المشهد الديمقراطي المبهج الذي شهدته السنغال، فإن الطريق لن يكون سهلاً أمام الرئيس الشاب باصيرو ديوماي فاي، حيث يواجه تحديات كبيرة:

  • أولًا: قلة الخبرة السياسية: لم يتقلد أي منصب سياسي في حياته، باستثناء كونه أحد مؤسسي حزب "باستيف" وشغل منصب أمينه العام. بالإضافة إلى ذلك، لم يكن المرشح الأساسي، بل رشحه للانتخابات عثمان سونكو بعد منعه من الترشح. وبالتالي، فإن الكثير من الناخبين صوتوا لباصيرو باعتباره مرشح "سونكو" وليس بصفته الشخصية.
  • ثانيًا: كيفية إرضاء شركائه في الائتلاف الانتخابي: حصل باصيرو على أصوات من معارضي ماكي سال ومن انضموا إلى تحالفه كنوع من "التصويت العقابي". وبالتالي، كيف سيضمن استمرار ولاء هؤلاء؟ وهل سيجري انتخابات برلمانية مبكرة؟
  • ثالثًا: كيفية تحقيق المصالحة الوطنية: كيف سيوفق بين هذه المصالحة وبين القطيعة التي اعتبرها شعاره الانتخابي في مواجهة نظام ماكي سال؟
  • رابعًا: موقفه من علمانية الدولة: يوصف باصيرو بأنه رجل "متدين". كيف سيتعامل مع هذا الأمر في ظل التزامه بالطابع العلماني للدولة؟
  • خامسًا: العلاقة مع الغرب، وخاصة فرنسا وروسيا: هل سيستطيع التخلي عن الفرنك الأفريقي وتبني عملة وطنية مستقلة؟ وهل ستكون موسكو هي البديل عن باريس؟
  • سادسًا: العلاقة مع موريتانيا: خاصة فيما يتعلق بحقول الغاز المشتركة. هل سيبقي على الاتفاقيات الموقعة أم سيعيد التفاوض بشأنها؟

في الختام، أثبتت الانتخابات الرئاسية الأخيرة في السنغال إمكانية التغيير السلمي عبر صناديق الاقتراع من خلال وجود شعب واعٍ متمسك بحقوقه الدستورية، وأحزاب سياسية لا ترتبط بأجندات خارجية، ومجتمع مدني نشط وفعال، بالإضافة إلى حياد مؤسسات الدولة وضعف الدعم الخارجي للحزب الحاكم.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة